أسرار خطيرة تكشفها »هند« وزميلاتها من المغتصبات اللاتي تعرضن لأبشع جريمة عرفتها البشرية.. صراخ مكتوم وقلوب جريحة تنزف حسرة وألما.. دموع وآهات لا تفارقهن.. سجن بلا قيود يعشن فيه كرها وقهرا.. عزلة اجتماعية من الحياة وابتعاد كامل عن الاهل والاقارب والاصدقاء.. حياة بائسة ليس لها معني ولا طعم.. الموت والانتحار قد يكون حلا جميلا لهن .. فماذا بعد الاغتصاب وكيف تعيش »هند« وبعض المغتصبات بعد تلك الجريمة؟ وكيف يتصرفن مع الجيران؟ وماذا تريد المغتصبات من المجتمع؟.
»هند« هي أصغر مغتصبة.. تحرك الجنين في احشائها وهي تلعب مع زميلاتها الاطفال في الشارع.. غرر بها ونهش جسدها الصغير وحش كاسر عرفت معني الامومة وهي طفلة صغيرة.. طاردتها نظرات الجميع في الشارع وعبر النوافد فاستقرت في البيت داخل غرفة صغيرة بلا تهوية..
قالت »هند« انني أجلس في البيت.. لم أخرج بعد الولادة نهائيا إلا للذهاب للنيابة.. الناس تنظر لي علي انني انسانة وحشة وقليلة الادب رغم انني ما عملتش حاجة غلط.. هو اللي اغتصبني وهددني بالقتل.. طيب كنت اعمل ايه يعني ياريت كان قتلني علشان ارتاح من الناس واتخلص من الدنيا..
انا مش عارفة اعيش خالص والمشكلة في بنتي »منة الله« لو انتحرت اسيبها لمين.. أنا خايفة من الزمن.. حتي بابا الغلبان تطاول اهل المغتصب عليه رغم ان بابا فقير وماشي جنب الحيط ويعرف ربنا كويس بدليل انه لما عرف انني حامل لم يفكر لحظة في التخلص من الجنين، ولا حتي ضربني او قتلني مثل الآباء الوحشين ولانه يعرف ربنا قال بالحرف الواحد: »قدر الله وما شاء فعل. وتعامل مع المشكلة بهدوء«.
أنا مش عارفة اعيش خالص ولا عارفة اتعامل مع منة الله الصغيرة وماما هي اللي بترعاها.. وبدموع الألم تقول هند: أحاول ان ألعب مع ابنتي »منة الله« لكن مش عارفة ممكن اروح المدرسة تاني ولا أيه.. وطبعا زميلاتي هيسألوني عن ابنتي وأكيد مش هأعرف اروح المدرسة مرة ثانية، ولا حتي اخرج تاني.. ودلوقتي لما ماما تخرج السوق بتقفل علي الباب ووالدي اتعزل عن الاقارب والاهل واصبحنا جميعا نعيش في وحدة ولكن الصراحة صاحب البيت عم علوان واسرته بيتعاملوا معانا كويس وبعض الجيران ايضا بس المصيبة ان نظرات الناس صعبة جدا ياريت الناس تعرف ان ممكن اللي حصل لي ممكن يحصل لبناتهم.. بس مين يقول كده؟..
تركت هند بدموعها وآلامها ومشاكلها التي تتعرض لها كل دقيقة وذهبت إلي مغتصبة اخري في منطقة جنوب الجيزة وكانت حالتها اصعب بكثير من »هند« لانها تعرضت لابشع جريمة اغتصاب في الزراعات علي يد 5 من الذئاب البشرية تناوبوا اغتصابها لمدة اكثر من 10 ساعات متواصلة بالحوامدية.. اثناء عودتها هي وشقيقها من زيارة زميلاتها قام الذئاب بضرب شقيقها 12 سنة وطعنه بالمطواة واختطفوا الفتاة التي تبلغ ايضا 14 عاما واغتصبوها..
ولولا مرور احد الاشخاص في الزراعات لكان مصيرها القتل حيث انتشلها من الزراعات وتم القبض علي الجناة وتعرضت الطفلة المغتصبة إلي ضغوط شديدة هي واسرتها من اهالي الجناة وهددوهم بإلقاء ماء نار علي وجهها اذا لم تتنازل عن قضية الاختطاف والاغتصاب.
وقام احدهم بعرض مبلغ 10 آلاف جنيه عن كل منهم حتي تتنازل الضحية عن القضية وتعيش اسرتها الفقيرة في حالة صراع رهيب وخوف من اهل الجناة الذين استفحل بطشهم وتهديدهم إلي ديار المجني عليها.. وفي نفس الوقت تعيش »عزة« الضحية حالة من اليأس من الحياة وبكاء هستيري مستمر وصراخ متواصل عندما تتذكر هذا الحادث المفجع وامتنعت عن الطعام.. وحاولت الانتحار مرتين قطعت شريانها في المرة الاولي وأنقذتها أمها.. وتناولت سم فئران في المرة الثانية.
وبصوت مذبوح وانهزام.. قالت: أريد أن أموت حتي اتخلص من العار الذي لحق بأهلي والمشاكل التي تتعرض لها فقد وصل جبروت أهل الجناة إلي تهديد شقيقي الفقيربالقتل امام منزله.
وقالت تركت المدرسة حيث انني في الصف الثالث الاعدادي ولم ادخل الامتحان هذا العام وانقطعت عن الدراسة وعن لقاء زميلاتي في المدرسة والاصدقاء.. وأعيش في غرفتي وحيدة واخشي من الفضيحة اكثر من ذلك لاننا نعيش في عزبة صغيرة واصبحت فضيحتي علي كل الألسنة ولم يكن لدينا القدرة للعيش في مكان آخر نظرا لظروفنا المادية.. وشقيقي مهدد بالقتل ايضا اذا لم يتنازل.. انخرطت الطفلة المغتصبة في البكاء مرة اخري ولم اتمكن من مواصلة الحوار بعد ما أصابتها حالة هستيرية.. امسكت كرسيا وضربت به في الحائط وضربت بيدها علي الحائط..
وكذلك رأسها عدة مرات قائلة: »أنا عايزة اموت.. عايزة اموت.. أرجوكم سيبوني اخلص من نفسي.. أنا ما ليش عيشة بعد النهارده«..
امسكتها بقوة وكدت أفقد أعصابي.. وعلمت انها كانت انسانة متفوقة في دراستها وبسبب الاغتصاب انهارت كل حياتها واصبحت علي حافة الانتحار وتلازمها امها كل وقتها خوفا من اقدامها علي هذا العمل الذي تأكدت ان نهايتها ستكون قريبة بعد الحالة النفسية التي تعيشها.
أما آية.. الطفلة الصغيرة التي كان حظها العاثر ان تقع بين أنياب 4 ذئاب بشرية في ساعة متأخرة من الليل اثناء ذهابها إلي الصيدلية لشراء دواء لامها فاختطفها الذئاب البشرية وتناوبوا اغتصابها بلا رحمة وسط زراعات الخانكة.
تعيش الآن مع اسرتها في عزبة صغيرة وتحت التهديد والوعيد من اسر الجناة وهناك مساومة من الجناة حيث قدموا 10 آلاف جنيه لاسرة الطفلة للتنازل عن جريمة الاغتصاب واضطر الاب المكلوم إلي حبس ابنته في البيت خوفا من كلام الناس والكارثة ان لديه ابنة اخري دمرتها فضيحة الاغتصاب ايضا وتحول البيت إلي سجن للفتاتين بسبب جريمة ليس لهما ذنب فيها.
وفي احصائية لاحدي الجمعيات الأهلية أكدت ان هناك 20 ألف حالة اغتصاب ترتكب كل عام وهؤلاء يحتجن إلي مراكز لرعايتهن بدلا من اقامتهن في »سجن العار« واضطرار بعضهن للانتحار والهرب من اسرهن.. فماذا تفعل المغتصبة بعد الجريمة وما هي الحالة النفسية التي تعيشها وكيف يمكن انقاذ المغتصبات من الانتحار والدمار في المستقبل وحول معيشة الفتاة بعد الاغتصاب. يقول الدكتور محمد المهدي استاذ الطب النفسي ان جريمة الاغتصاب تترك اثرا كبيرا في البنية النفسية للمغتصبة لانه حدث لا يمكن نسيانه ويهدد كرامة المغتصبة وكيانها وحياتها الخاصة وقد يصل الامر إلي القتل الذي يقترن دائما بجريمة الاغتصاب.
وقال ان اكبر الوان الاعتداء علي الكيان الانساني هو الاغتصاب ويتكون بالذاكرة المرضية للمغتصبة شريط للحدث بالمخ في الاحلام واليقظة ويتكرر الحدث في الجهاز النفسي بصفة مستمرة لانه هدم البناء النفسي للمغتصبة واهدر افتراضات القيم والاخلاق والمبادئ ويزداد الامر سوءا عندما تقترب الفتاة لسن الزواج أو اتمامه حيث ان اغلب المغتصبات يرفضن الزواج والاقدام عليه.
ويضيف د. المهدي قائلا: في الخارج مراكز متخصصة للمغتصبات وجمعيات لهن حيث تجلس كل منهن مع الاخري ويتم التفاعل بينهن والاستفادة من تجربة الاخري. وفي هذه المراكز اطباء متخصصون يقومون بعلاج هؤلاء المغتصبات وتفريغ المشاكل وإعادة الثقة إليهن وهذا يحتاج إلي وقت طويل وهناك كثير من المغتصبات يترددن علي عيادات الطب النفسي ويتم علاجهن ولكن المجتمع يظلمهن دائما ويدمر حياتهن فور اصطدامهن بذاكرة الاغتصاب ويتعرضن لانتكاسة صعبة جدا.
ويقول محمد المهدي: ان مشكلة المغتصبة تظل مستمرة مع اسرتها وتزداد تعقيدا عندما تضطر الاسرة إلي التنازل عن حق المغتصبة فهذا يؤدي إلي نسف اي علاج نفسي ولذلك فإن اعدام المغتصب وتطبيق القانون عليه يشفي غليل البنت لان الامر متعلق بكرامة الفتاة ومستقبلها الذي يكون غالبا فشلا بفشل حيث ان اغلب الزيجات التي تتم للمغتصبات فاشلة.
ويطالب الدكتور المهدي بضرورة ان يتم تنشيط شبكة الدعم الاسري وعلاج الفتاة المغتصبة واسرتها ورعايتها ولابد ايضا من ضرورة انشاء مراكز متخصصة في مصر لرعاية هؤلاء المغتصبات وانقاذهن لان عددهن يتزايد يوما بعد يوم.