الحوار القانوني صفتاوى جديد
مشاركاتى : 1 Emploi : Etudiant دعاء : التقييم : 0 نقاط : 3 تاريخ التسجيل : 30/01/2010
| موضوع: تقييم موقف القضاء من مقتضيات الفصل 32 من ق م م المغربي الجمعة فبراير 05, 2010 12:38 pm | |
| تقييم موقف القضاء من مقتضيات الفصل الفقرة الثانية من الفصل 32 من قانون المسطرة المدنية
من إعداد : عبد الحكيم الحكماوي : عضو فريق منتدى الحوار القانوني
من المقرر قانونا و قضاء و فقها أن المحكمة التي تنظر أي نزاع يجب أن تتمتع بحياد تام إزاء الأطراف وما يطرحه أولئك الأطراف من أدلة أمامها . ذلك أن أطراف الخصومة القضائية كلما اتخذت قرار اللجوء إلى القضاء يتعين عليها أن تتخذ العدة لذلك و أهم ما يمكن أن تتحسب له هو وسائل الإثبات؛ ذلك أن الغاية من المخاصمة القضائية يجب أن تتم بحسن نية طبقا لمقتضيات الفصل 5 من قانون المسطرة المدنية الذي ينص في مقتضياته على أنه " يجب على كل متقاض ممارسة حقوقه طبقا لقواعد حسن النية " و هي المقتضيات التي تمكن المحكمة من تقدير ما إذا كان الطرف المبادر لرفع النزاع أمام أنظار المحكمة قد قام باللجوء لهذه الأخيرة وفق قواعد حسن النية أم لا و بالتالي تقدير الجزاء المتعين اتخاذه في حقه ؛ على أن تلتزم المحكمة مبدأ الحياد إزاء أطراف الخصومة و على الخصوص فيما يتعلق بما يطرحه الأطراف من وسائل الإثبات ؛ ذلك أن كل الأحكام الصادرة عن المحاكم تجد مستندها فيما يقدمه الأطراف من حجج ودلائل لتقوية مراكزهم في الدعوى ، و على ذلك فمسألة تقييم الحجة التي يتعين الإدلاء بها من غيرها متروك للأطراف أنفسهم لا لغيرهم .
و السؤال المطروح هو هل يمكن للقاضي أن يوجه الأطراف للإدلاء بالوثائق و الحجج و الدلائل التي تقيم دعواهم على وجه صحيح ؛ أم يتعين عليه نهج سلوك الحياد أثناء نظر الخصومة ؟
هذا الإشكال يجد استناده في الثقة التي يجب أن يتمتع بها القاضي لدى أطراف الخصومة ليلغي عنه أية نظرة تحيز لطرف دون الآخر ، و هي الوجه الآخر لمبدأ الاستقلالية عن مواقف الأطراف في النزاع المعروض ؛ و على ذلك فبالنظر لموقف القضاء في من مسألة الوثائق المعروضة عليه من قبل الأطراف نجد منقسم إلى اتجاهين :
الاتجاه الأول : يرى أن من الواجب على القاضي و هو بصدد الفصل في النزاع أن ينذر الأطراف بضرورة الإدلاء بالوثائق و المستندات التي ينوى الطرف استعمالها و إلا كان مصير الدعوى عدم قبول الدعوى .
أما الاتجاه الثاني : فيرى أن القاضي يتعين عليه التزام الحياد في مسألة توجيه أطراف الدعوى من أجل الإدلاء بالحجج و الوثائق التي تسند دعواه .
و لكل طرف من هذين الاتجاهين مؤيداته سنعرض لها في معرض حديثنا وفق الآتي من هذه المقالة التي سنحاول تقسيمها وفق التصميم التالي :
المبحث الأول : توجهات القضاء بشأن إنذار أطراف الدعوى بالإدلاء بالمستندات المطلب الأول : الاتجاه المؤيد لإنذار الأطراف المطلب الثاني : الاتجاه الملتزم للحياد
المبحث الثاني : تقدير موقف القضاء بشأن إنذار الأطراف بالإدلاء بالمستندات المطلب الأول : تقييم الاتجاه المؤيد لإنذار الأطراف المطلب الثاني : تقييم الاتجاه الملتزم للحياد
وللحديث عن هذه المحاور نشير أننا سننطلق من بعض نماذج الأحكام الصادرة عن القضاء ليتأتى لنا تقييم تلك المواقف من أجل الوقوف على ضرورة التزام القضاء للحياد أثناء نظر الخصومة لتتحقق الغاية من اللجوء إليه و المتمثلة في الاطمئنان إليه و الاطمئنان لحياده و استقلاليته .
المبحث الأول : توجهات القضاء بشأن إنذار أطراف الدعوى بالإدلاء بالمستندات
كما سبقت الإشارة إلى ذلك فإنه باستقراء الأحكام و القرارات الصادرة عن القضاء نجده منقسم إلى قسمين اتجاه يرى أنه من الضروري إنذار الأطرف للإدلاء بالحجج و المستندات المؤيدة للدعوى طبقا لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 32 من قانون المسطرة المدنية و في حالة تعذر ذلك على الأطراف يرتب جزاء عدم القبول ( المطلب الأول ) في حين أن الاتجاه الثاني فيرى أن مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 32 من قانون المسطرة المدنية لا تلزم القاضي بإنذار الأطراف و بالتالي يتعين عليه سلوك مسلك القاضي المحايد في سير الخصومة و ترتيب الجزاء القانوني الذي هو رفض الدعوى لانعدام الإثبات ( المطلب الثاني )
المطلب الأول : الاتجاه المؤيد لإنذار الأطراف
يرى هذا الاتجاه أن مقتضيات الفصل 32 من قانون المسطرة المدنية في فقرتها الثانية جاءت على سبيل الوجوب و هي من النظام العام الموكول للقاضي احترامه و العمل به و لو لم يثره الأطراف ، ذلك أن المشرع شمل مقتضيات الفقرة الثانية المذكورة بصيغة الوجوب لما نص في بداية الفقرة على عبارة " يجب " و هي العبارة التي تسري مقتضياتها على كل ما ورد بالفقرة المذكورة و ليس على جزء منها دون الجزء الآخر .
و عليه ، و بحسب هذا الرأي فإن القاضي الذي ينظر في الخصومة يتعين عليه أن ينذر الأطراف بضرورة الإدلاء بالمستندات التي ينوي المدعي استعمالها عند الاقتضاء لتكون دعواه قائمة و مؤسسة من الناحية القانونية و إلا ووجه بجزاء عدم قبول دعواه لما يشكله عدم إرفاق الطلب بالوثائق و المستندات من خرق في شكليات التقاضي ،و هو الرأي الذي إن تم الأخذ به يبقي ولاية نفس المحكمة قائمة على النظر في النزاع بحجة عدم حرمان المتقاضين من درجة من درجات التقاضي ، مادام أن المحكمة لم تبسط نظرها بعد على جوهر النزاع و إنما اكتفت بترتيب الجزاء على الخرق الشكلي للمسطرة و الإجراءات المتبعة أمام القضاء .
و في هذا السياق نجد أنه في أحد قرارات المجلس الأعلى جاء أنه " إذا قضت محكمة الاستيناف بالأداء بعد إلغائها الحكم الابتدائي الصادر بعدم قبول الطلب شكلا لعدم إرفاق المدعي مقاله بالمستندات دون إرجاع الملف إلى المحكمة الابتدائية التي لم تفصل في الموضوع ،و لم تستنفذ سلطتها بعد ، تكون قد حرمت المحكوم عليه من درجة من درجات التقاضي و عرضت قرارها للنقض " ( 1 )
و هذا الرأي لم يقتصر عليه المجلس الأعلى فقط و إنما هو امتداد لما تسير عليه محاكم الموضوع ،و من ذلك ما جاء في الحكم الصادر عن ابتدائية الفقيه بن صالح و الذي قضى بعدم قبول الدعوى على أساس أنه " وحيث تخلف عن الحضور ورجعت شهادة تسليمه بملاحظة انه يوجد حاليا بالمهجر. ....
وحيث أن طلب إتمام إجراءات البيع لا يدخل ضمن مستنتجات المادة 31 وبذلك تبقى الدعوى شأنها معيبة وخاصة أنها جاءت مجردة عن الإثبات ومعيب فيه الوضوح المانع من الجهالة وان المحكمة لم تستطع إنذاره للملاحظة الواردة بشهادة التسليم. وحيث انه واعتبارا للفصل 31 من قانون المحاماة والفصل 1 و 3 و 32 ق م م تبقى الدعوى معيبة ويتعين ردها " ( 2 ) و هو نفس الاتجاه الذي تسير عليه المحكمة الابتدائية بإيمينتانوت و الذي سبق لها أن قضت بأحكام في نفس السياق منها الحكم الذي جاء فيه " وحيث إن طلب المدعي ظل مجردا مما يثبته ، مما يكون معه مخالفا لمقتضيات الفصلين 1 و 32 من قانون المسطرة المدنية ، مما يتعين معه الحكم بعدم قبوله مع إبقاء الصائر على عاتق المدعي. " ( 3 ) كما أن نفس المحكمة قضت بأنه " وحيث لم يدل المدعي بأية حجة أو وسيلة إثبات تفيد قيام المدعى عليه بالفعل الضار المطلوب وضع حد له ، مما يبقى معه الطلب مجردا ومفتقرا لموجبات الإدعاء القانوني ، ويتعين تبعا للحكم بعدم قبوله مع إبقاء الصائر على عاتق المدعين . " ( 4 )
فمن خلال هذه القرارات و الأحكام يتضح أن المحاكم تذهب إلى اعتبار أن إدلاء المدعي بما يثبت دعواه هو من مسائل الشكل التي يتعين توفرها بمجرد رفع الخصومة أمام القضاء ،وأن هذا الأخير متى ما انتفى عنده توفر الحجج المرفقة بالطلب سيقرر جزاء عدم القبول .
وهكذا فاعتبار المجلس الأعلى أن الحكم بعدم القبول لعدم إرفاق المدعي بالمستندات المدعمة لدعواه لا ينهي ولاية المحكمة الابتدائية في النظر في النزاع ، و بالتالي يمنع على محكمة الاستيناف باعتبارها درجة ثانية من درجات التقاضي أن تنظر في الدعوى حتى تستنفذ محكمة الدرجة الأولى صلاحيتها بالبت في النزاع .
و مثل هذا الرأي يجسد بالفعل التفسير الذي يذهب إليه هذا الجانب من القضاء من أن المشرع شمل إرفاق الدعوى بالمستندات بصيغة الوجوب كذلك كما هو الأمر بالنسبة لكل مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 32 من قانون المسطرة المدنية .
و إذا نظرنا لمجمل الأحكام القضائية الصادرة عن محاكم الموضوع ( 5 )نجدها تسير في نفس هذا النهج الذي سار عليه المجلس الأعلى في قراره أعلاه و هو ما يتضح جليا من خلال ما جاء في تنصيصات و حيثيات الأحكام التي أوردناها أعلاه .
و لعل من شأن هذا التوجه أن يجعل النزاعات و الخصومات القضائية تراوح مكانها ؛ و ذلك بجعل نفس المحكمة تنظر في نفس النزاع لعدة مرات إلى أن يثبت الحق للمدعي ، وهو أمر فيه نظر سنعرض له في المبحث الثاني بعده .
لكن بالمقابل لهذا الاتجاه هناك اتجاه يذهب إلى اعتبار أرفاق المستندات من طرف المدعي للدعوى هو أمر موكول للمدعي نفسه لا دخل للمحكمة فيه و هو ما سنتطرق له في المطلب الثاني .
ا لمطلب الثاني : الاتجاه الملتزم للحياد
يذهب هذا الاتجاه إلى اعتبار أن عبارة " و ترفق بالطلب المستندات التي ينوي المدعي استعمالها عند الاقتضاء " غير مشمولة بصيغة الوجوب ،و أنه تبعا لذلك فللمدعي أن يقدر الوسائل و الحجج و المستندات التي يراها مناسبة لتدعيم دعواه و تقوية مركزه في الخصومة و ليس للمحكمة و لا للقاضي أي دخل في ذلك مما يفرض على القاضي التزام الحياد و بالتالي إذا لم يدعم الخصوم مواقفهم في الدعوى بالحجج و الوثائق المثبتة لما يدعونه فالجزاء المترتب عن ذلك هو رفض الطلبات المقدمة للقضاء و ليس عدم قبولها .
و في هذا السياق يمكن التأكيد على أن الأحكام الصادرة في هذا الاتجاه تسير في اتجاه أن المدعي ليس ملزم بإثبات الدعوى ابتداء و إن ذلك مرتبط بوجود الحق المدعى فيه من عدمه.
و على ذلك فقد ذهب المجلس الأعلى في إحدى قراراته إلى أنه " حقا حيث إنه إذا كان إثبات الالتزام على مدعيه طبقا للفصل 399 من قانون الالتزامات و العقود ، فإن المدعي لا يسأل عن الدليل لإثبات ما يدعيه إلا بعد نفي المدعى عليه و إنكاره للحق المطالب به " ( 6 )
فيتضح من هذا القرار أن المحكمة غير ملزمة بإنذار المدعي بضرورة إرفاق ادعاءه بما يثبته ، ذلك أن الواضح من تنصيصات هذا القرار أنه يربط الوثائق و المستندات بجوهر الحق لا بشكليات الترافع أمام القضاء .
و إذا تم اعتبار أساس هذا الاتجاه ؛ فمقتضاه أن تستنفذ محكمة الدرجة الأولى ولايتها للنظر في النزاع الذي بتت فيه وفق مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 32 من قانون المسطرة المدنية كيفما كان مآل الدعوى التي عرضت عليها و طبقت بشأنها تلك المقتضيات ، سواء في ذلك أكان ذلك المآل هو عدم قبول الدعوى أو رفضها .
و على ذلك فقد ذهب المجلس الأعلى في إحدى قراراته إلى ما يلي : " وفيما يتعلق بالوسيلة الثانية فإنه لما كان الثابت من مجمل تعليلات محكمة الدرجة الأولى أنها قضت بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة فكانت بذلك قد فصلت في دفع موضوعي يتعلق بعدم توفر تلك الدعوى على عناصرها المتصلة بموضوع الدعوى مما استنفذت معه ولايتها في الفصل في موضوعها، ولما كان استئناف حكمها ينقل النزاع برمته أمام محكمة الدرجة الثانية–فإن محكمة الاستئناف المصدرة للقرار المطعون فيه–بعدما ألغت الحكم الابتدائي للعلل الواردة فيه–كانت على حق عندما تصدت للبت في موضوع الدعوى دون أن تعيدها إلى محكمة الدرجة الأولى، وأنها بذلك لم تخرق مقتضيات الفصل 146 من ق. م. م. المحتج بخرقه فالوسيلة عديمة الجدوى. " ( 7 )فبناء على هذه المقتضيات يتضح أن المجلس الأعلى ذهب إلى اعتبار أن الأحكام الصادرة بعدم القبول و التي تم تأسيسها على بناء الأخذ أو عدم الأخذ بالحجج و المستندات المدلى بها في الدعوى و إن وصفتها المحكمة بأنها دعاوى خرقت شكليات الدعوى فهي في حقيقتها أحكام فاصلة في جوهر الدعوى تستنفذ معها المحكمة ولايتها بالنظر من جديد في نفس النزاع .
فالعبرة حسب هذا الاتجاه ليس بمنطوق الأحكام و إنما بمدلول و مضمون تلك الأحكام و ما نصبت عليه ،و بذلك فوفق هذا الاتجاه ليس من اختصاصها إنذار الأطراف بضرورة الإدلاء بالوثائق المثبتة لدعاواهم و لا هي مجبرة على ترتيب جزاء عدم القبول على تلك الدعاوى ما دام أن الإدلاء بالمستندات ليسمن شكليات التقاضي و إنما تعتبر المستندات و النظر فيها من قبيل النظر في موضوع الدعوى .
و من هنا يجدر بنا التساؤل عن القيمة المضافة التي يضيفها لنا كل اتجاه على حدى ،و هو الأمر الذي يؤدي بنا حتما إلى ضرورة تقدير كل اتجاه على حدة في مبحث ثاني .
المبحث الثاني : تقدير موقف القضاء بشأن إنذار الأطراف بالإدلاء بالمستندات
يقتضي منا تقدير اتجاهات القضاء فيما يتعلق بهذا الموضوع أن ننظر للأسس التي يرتكز عليها كل اتجاه على حدة و بالتالي النظر في تلك الأسس و مدى توافقها مع باقي مقتضيات القانون .
المطلب الأول : تقييم الاتجاه المؤيد لإنذار الأطراف
كما سبقت الإشارة إلى ذلك فهذا الاتجاه يذهب على اعتبار أن صيغة الوجوب الواردة بالفقرة الثانية من الفصل 32 من قانون المسطرة المدنية ( 8 ) تشمل كل المقتضيات و ليس جزء منها فقط .
فأصحاب هذا الرأي يجعلون الحكم المشمول بالوجوب شاملا لكل من ضرورة تبيان موضوع الدعوى و الوقائع المؤسسة لها و الوسائل القانونية و الواقعية التي تثار بشأنها وعلى أن يكون كل ما ذكر مثبتا بالمستندات التي يتعين على المدعي إرفاقها بمقال دعواه .
و بالتالي فمؤدى هذا الاتجاه أن إرفاق المقالات و الدعاوى بالمستندات يعتبر شرطا أساسيا في رفع الدعوى و بالتالي متى تخلف هذا الشرط جاز ترتيب جزاء عدم القبول عليه لخرقه لشكلية من شكليات التقاضي قياسا على مقتضيات الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية .
لكن المدقق في هذا الاتجاه يجده متعارضا مع مجموعة من المقتضيات القانونية الأخرى منها ما نص عليه المشرع في الفصل 234 من قانون الالتزامات و العقود ( 9 ) و الذي جعل شرط الإدلاء بما يفيد القيام بالالتزام أو عرض القيام شرطا من شروط الدعوى و من دونه يتعين التصريح بعدم قبول الدعوى ؛ و يستفاد ذلك من منطوق الفصل نفسه حينما ينص عل أنه : " لا يجوز لأحد أن يباشر الدعوى الناتجة عن الالتزام ؛ إلا .... " إذ اشتراط المشرع في هذا الفصل الإثبات جعل هذا الأخير يعتبر شكلية من شكليات التقاضي و كأنه إثبات للصفة وفق المنصوص عليه بالفصل الأول من قانون المسطرة المدنية ؛ و لعل ما يؤيد هذا الطرح ما جاء بأحد قرارات المجلس الأعلى الذي نص على أنه : " حقا يتضح من الاطلاع على وثائق الملف و القرار المطعون فيه صحة مانعاه الطاعنان ؛ ذلك أن الفصل 234 من قانون الالتزامات و العقود ينص على أنه : " لا يجوز لأحد أن يباشر الدعوى الناتجة عن الالتزام ؛ إلا إذا أثبت أنه أدى أو عرض أن يِؤدي كل ما كان ملتزما به من جانبه حسب الاتفاق أو القانون أو العرف " و هذا يعني عدم قبول الدعوى في الشكل إذا باشرها أحد الملتزمين و لم يثبت أنه أدى أو عرض أ يؤدي ما كان ملتزما به من جانبه حسب الاتفاق أو القانون أو العرف و حكم القرار المطعون فيه في الموضوع برفض الدعوى يكون قد أساء تطبيق مقتضيات الفصل 234 من قانون الالتزامات و العقود المشار إليه طليعته و معرضا للنقض " ( 10 ) وعلى ذلك يتضح أن المشرع لما أراد أن يجعل من الإدلاء بوسائل الإثبات شرطا لإقامة الدعوى فقد نص على ذلك صراحة و لم يترك الأمر لعهدة المدعين بل جعل المحكمة سلطة في التيقن من تحقق هذا الشرط في الدعوى و أكد المجلس الأعلى أن الجزاء الذي يتعين ترتيبه هو عدم القبول و ليس الرفض .
و العلة في ذلك أن المدعي ليس له أن يدعي قبل حلول الأوان ، بمعنى أنه في مثل هذه الحالات يتعين على من يريد إلزام الغير بتنفيذ التزاماته أن يثبت أنه هو فعلا نفذ ما التزم به و ما يجب أن يلتزم به و إلا كانت دعواه سابقة لأوانها .
كما أن من الأمثلة التي جعل فيها المشرع الإدلاء بوسائل الإثبات شرطا في رفع الدعوى ما تم التنصيص عليه بالفقرة الأخيرة من الفصل 156 من قانون المسطرة المدنية ( 11 )، إذ شمل المشرع هذا المقتضى بصيغة الوجوب على انفراد و بالتالي جعله ضرورة الإدلاء بما يفيد الدين شرطا لقبول الطلب و إلا ترتب عن ذلك عدم القبول لاختلال شرط من الشروط المقررة لذلك النوع من الدعاوى .
و بالنظر في المقتضيات المتعلقة بالمحاكم الإدارية و خاصة في الفصل 21 من القانون المحدث لتلك المحاكم ( 12 ) نجد المشرع قد أوجب على طالب الإلغاء أن يرفق مقاله الرامي للطعن بالإلغاء بنسخة من القرار الإداري المطلوب إلغاءه أو بنسخة من القرار الصادر برفض التظلم إن كان قد تقدم بتظلم لدى الجهات الإدارية المختصة .
و في هذا الإطار فقد أصدرت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء حكما قضت فيه بعدم قبول الطلب بناء على الحيثية التالية : " حيث إن مؤدى الطلب هو الحكم بإلغاء القرار الإداري الضمني القاضي بحرمان المدعي من حق الاستفادة من إسكان قاطني دور الصفيح . وحيث إنه بمقتضى الفقرة الثانية من الفصل 32 من قانون المسطرة المدنية فإنه " ... ترفق بالطلب المستندات التي ينوي المدعي استعمالها عند الاقتضاء " .وحيث إنه وبغض النظر عن باقي الإخلالات الشكلية ، فإنه يتبين بأن مقال الدعوى قد قدم مجردا من الوثائق والمستندات التي من شأنها أن تثبت صفة المدعي في التقاضي، وتعزز مطالبه، مما تكون معه دعواه معيبة شكلا ، ويتعين التصريح بعدم قبولها " ( 13 ) .
فبالنظر إلى حيثيات الحكم الإداري المذكور يتضح أن المحكمة استندت في حكمها على مقتضيات الفصل 32 من قانون المسطرة المدنية في فقرته الثانية ، في حين أنه كان عليها أن تطبق مقتضيات الفصل 21 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية ما دام أن الأمر يتعلق بطلب يرمي إلى إلغاء قرار إداري؛ إذ أن المشرع في الفصل 21 المذكور جعل من إرفاق الطلب الرامي إلى إلغاء القرارات الإدارية بسبب تجاوز السلطة بالمستندات المتمثلة في القرار المطلوب إلغاؤه أو بالقرار الصادر في شأن رفض التظلم أو بنسخة منه أو نسخة من الشهادة المثبتة لوضع التظلم في حالة الرفض الضمني لهذا الأخير .
و المحكمة الإدارية لما نحت في حكمها إلى ما نحت إليه تكون قد طبق قاعدة قانونية غير التي يتعين عليها تطبيقها من جهة ،و من جهة أخرى تكون قد طبقت مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 32 من قانون المسطرة المدنية تطبيقا معيبا لما اعتبرت أن عدم إرفاق الطلب استنادا لهذه المقتضيات يعتبر خرقا شكلا موجبا للحكم بعدم القبول .
و إذا دققنا النظر في المقتضيات الواردة بالفصلين 234 من قانون الالتزامات و العقود و 156 من قانون المسطرة المدنية و الفصل 21 من القانون رقم 90-41 المحدث للمحاكم الإدارية و غيرها من المقتضيات المماثلة نجد أن المشرع إذا ما اتجهت نيته على جعل الإدلاء بما يثبت الدعوى شرطا من شروط الدعوى الشكلية فإنه ينص على ذلك صراحة و بصيغة من صيغ الوجوب و هو ما لا يوجد لها أساس في مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 32 من قانون المسطرة المدنية ؛ و التي جعلت من الوثائق المشار إليها فيها حججا يمكن أو ينوي المدعي استعمالها عند الاقتضاء .
و معلوم أن عبارة " ينوي " دالة على الاستقبال و ليست شرطا يتعين توفره و تتوقف عليه الدعوى ابتداء ، كما أن نفس العبارة تفيد أن المشرع أوكل مسألة تحديد تلك المستندات و ما إذا كانت صالحة لتأسيس الدعوى من عدم صلاحيتها للمدعي نفسه و ليس للمحكمة ؛و بالتالي فليس لهذه الأخيرة أن تنذر الأطراف بضرورة الإدلاء بما يفيد تأييد الدعوى تحت طائلة عدم القبول ، ذلك أن الوثائق و المستندات في منطوق الفصل 32 و مفهومه إنما تنصرف إلى الوسائل المثبتة للحق المدعى فيه و بالتالي المثبتة للمراكز القانونية الموضوعية لأطراف الخصومة القضائية و هو ما يتصل كما يقرر ذلك المجلس الأعلى بموضوع الدعوى .
و عليه نخلص إلى أن هذا الاتجاه من القضاء يجب إعادة النظر فيه من حيث الأسس التي يعتمد عليها في التصريح بعد القبول استنادا لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 32 من قانون المسطرة المدنية.
المطلب الثاني: تقييم الاتجاه الملتزم للحياد
على النقيض من الاتجاه السالف مناقشته في المطلب الأول ، فإن اتجاها آخر من العمل القضائي يذهب إلى القول بأن المقتضيات الواردة بالفقرة الثانية من الفصل 32 من قانون المسطرة المدنية تشمل نوعين من المقتضيات ؛ النوع الأول جاء به المشرع مشمولا بصيغة الوجوب و يتعلق الأمر بالمقتضيات التي تنص على أنه : " يجب أن يبين بإيجاز في المقلات و المحاضر علاوة على ذلك موضوع الدعوى و الوقائع و الوسائل المثارة " فهذه المقتضيات حسب هذا الاتجاه هي المعنية بصيغة الوجوب و معلوم أنه إذا كانت من باب الواجب فمعنى ذلك أنها من النظام العام و أن المحكمة ترتقب تحققها من تلقاء نفسها و لو لم يطلب الأطراف ذلك و لها في حالة إغفال بيان من تلك البيانات أن تنذر الأطراف بضرورة تكملة البيانات الناقصة وإن لم يستجب لذلك الإنذار فالمآل هو عدم القبول على اعتبار أن نقصان بيان من تلك البيانات يعتبر نوعا من الإخلالات الشكلية الموجبة للحكم بعدم القبول ؛ هذا بالنسبة لمقتضيات الجزء الأول من الفقرة الثانية من الفصل 32 من قانون المسطرة المدنية . أما بالنسبة للجزء الثاني من مقتضيات الفصل المذكور و القاضي بأنه: " و ترفق بالطلب المستندات التي ينوي المدعي استعمالها عند الاقتضاء " فلم يشملها المشرع حسب هذا الاتجاه بصيغة الوجوب وله لذلك مبررات يمكن إجمالها في الآتي :
أولا : أن المشرع إرفاق الطلب بالمستندات ليس من النظام العام على اعتبار أم مسألة تقدير تلك الوثائق فيما إذا كانت منتجة في الدعوى متروك لفطنة المدعي.
ثانيا : أن المدعي هو الذي يقرر ما إذا كانت المستندات التي يتوفر عليها ينوي استعمالها في الدعوى أو لا ينوي استعمالها و ذلك بعد أن يقيم هو بذاته تلك الوسائل ،ومعلوم أن المحكمة لا علم لها بما يتوفر عليه المدعي و لا سلطة لها في تقدير الوثائق التي لم تعرض عليها.
ثالثا : أن المشرع لما استعمل عبارة " ينوي " فإن تلك العبارة دالة على المستقبل و بالتالي يستحيل جعل إرفاق المقال بالمستندات من قبل شروط الدعوى تحت طائلة عدم القبول .
رابعا : أما عبارة " عند الاقتضاء " فهي عبارة دالة على أنه ليسمن اللازم استعمال تلك الوثائق و المستندات لإثبات الدعوى و الحق المدعى فيه، و هو ما يتماشى مع المقتضيات المتعلقة بالإثبات الواردة بقانون الالتزامات و العقود . و على ذلك فتلك المستندات تقتصي أن يثبت بها المدعي الحق موضوع النزاع و لا علاقة لها بشكليات الدعوى ،و بذلك يكون المشرع قد أورد قاعدة جوهرية وموضوعية بصلب قاعدة شكلية .
و ما يقال على الفقرة الثانية من الفصل 32 من قانون المسطرة المدنية يقال على مقتضيات الفصل 142 من نفس القانون عندما يتعلق الأمر برفع النزاع أمام محكمة الاستيناف .
فأمر إرفاق المستندات حسب هذا الاتجاه من القضاء تركه المشرع لإرادة الأطراف دون غيرهم و هو بالتالي أمر مرتبط بجوهر الحق و عند تخلفه يتعين التصريح برفض الطلب و هو ما تستنفذ معه المحكمة المعروض عليها النزاع الولاية في النظر من جديد في نفس النزاع .
و لعل ما ذكر أعلاه قد تجسد في التوجهات الحديثة للمجلس الأعلى حيث ذهب المجلس الأعلى في قراره رقم 4707 في اتجاه مخالف لما تسير فيه أغلب محاكم الموضوع حول الدفع المثار من طرف الخصم بشأن حجية الشيء المقضي به و اعتبر " أن الحكم بعد القبول لعدم الإثبات هو حكم موضوعي تصبح له حجيته بين الأطراف تخول المستفيد منه الدفع به أمام المحكمة في حالة تقديم نفس الدعوى طبقا للفصل 451 من قانون الالتزامات و العقود " ( 14 ) ذلك أن المجلس الأعلى بموجب هذا القرار اعتبر أن الأحكام التي تصدر بعدم القبول استنادا لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 32 من قانون المسطرة المدنية تعتبر في جوهرها أحكاما موضوعية ، و السبب في ذلك أن ما يرتبط بالوثائق و المستندات هو تحقيق الحق المتنازع فيه أمام القضاء ،وأن وسائل الإثبات لا علاقة لها بشكليات التقاضي ، و بالتالي فلا يتصور ربط مآل الدعوى من الناحية الشكلية بما هو مثبت لجوهر الدعوى ( 15 ) .
و إن المدقق في النظر في هذا الاتجاه يجده منسجما و متطابقا مع قواعد الإثبات في الميدان المدني على وجه العموم ذلك أنه قد يكون المدعي متوفرا على وسائل إثبات يتعذر عليه إرفاقها بمقاله كما هو الأمر بالنسبة للإقرار ؛ ففي مثل هذه الحالة لا يمكن للمحكمة أن تلزمه بضرورة إرفاق طلبه بالمستندات التي ينوي استعمالها تحت طائلة عدم القبول لأن الوسائل و الحجج و الدلائل متعلقة بجوهر الحق موضوع الخصومة و بالتالي قد يقر المدعى عليه بما جاء بمقال الدعوى و بالتالي تثبت دعوى المدعي أو كما هو الأمر بالنسبة لليمين الحاسمة .
و خلاصة القول أن القضاء و إن انقسم إلى اتجاهين بخصوص مقتضيات الفقرة موضوع الدراسة فإنه يتضح في نظرنا أن الرأي الذي يعتبرها من المسائل الموضوعية هو الرأي الراجح و المؤسس و الذي ينسجم مع إرادة المشرع و كذا مع باقي المقتضيات القانونية المنظمة لقواعد الإثبات .
وشكرالكم على الصبرلقراءة هذاالموضوع في انتظار ردودكم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :
( 1) : قرار رقم 2325 صادر بتاريخ 29/ 6/1994 في الملف رقم 4469 / 93 وارد ب" التعليق على قانون المسطرة المدنية بقرارات المجلس الأعلى و محاكم النقض العربية لغاية سنة2000 لمؤلفه عبد العزيز توفيق ، مطبعة النجاح الجديدة ؛ الطبعة الأولى سنة 2000 الصفحة 38 .
( 2) :حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالفقيه بن صالح تحت عدد 114/07 بتاريخ 04-07-2007 في الملف عدد 78/2007/م ( غير منشور )
( 3) :حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بإيمنتانوت تحت عدد 130 بتاريخ 10-06-2004 في الملف عدد 157/03 ( غير منشور )
( 4) :حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بإيمنتانوت تحت عدد 123 بتاريخ 03-06-2004 في الملف عدد 12/03 ( غير منشور )
( 5) :ما تمت الإشارة إليه من أحكام سابقا يعتبر نموذجا فقط من الأحكام التي يصدر بعدم القبول في حالة عدم إرفاق المدعى لدعواه بالمستندات .
( 6) :قرار صادر عن المجلس الأعلى تحت عدد 3325 بتاريخ 08-11-2006 في الملف عدد المدني عدد 321/1/2/2005 ( قرار غير منشور )
( 7) :قرار صادر عن المجلس الأعلى تحت عدد 3407 بتاريخ 04/06/1997 في الملف عدد 3382/94 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى العدد 52
( 8) :تنص الفقرة الثانية من الفصل 32 من قانون المسطرة المدنية على ما يلي ك " يجب أن يبين بإيجاز في المقلات و المحاضر علاوة على ذلك موضوع الدعوى و الوقائع و الوسائل المثارة و ترفق بالطلب المستندات التي ينوي المدعي استعمالها عند الاقتضاء مقابل وصل يسلمه كاتب الضبط للمدعي يثبت فيه عدد المستندات المرفقة و نوعها "
( 9) :ينص الفصل 234 من قانون الالتزامات و العقود على أنه : " لا يجوز لأحد أن يباشر الدعوى الناتجة عن الالتزام ؛ إلا إذا أثبت أنه أدى أو عرض أن يِدي كل ما كان ملتزما به من جانبه حسب الاتفاق أو القانون أو العرف "
(10):قرار صادر عن المجلس الأعلى تحت عدد 5640 بتاريخ 09/12/1999 في الملف المدني عدد 867/95 منشور بمجلية قضاء المجلس الأعلى العدد المزدوج 57-58
(11):ترفع الدعوى إلى المحكمة الابتدائية طبقا للشروط المشار إليها في القسم الثالث أعلاه. يتضمن المقال الاسم العائلي و الشخصي و مهنة وموطن الأطراف مع البيان الدقيق للمبلغ المطلوب و موجب الطلب . يجب أن يعزز هذا الطلب بالسند الذي يثبت صحة الدين "
(12):نصت المادة 21 من القانون رقم 90-41 المحدثة بموجبه محاكم إدارية على أنه " يجب أن يكون طلب الإلغاء بسبب تجاوز السلطة مصحوبا بنسخة من القرار الإداري المطلوب إلغاؤه ، و إذا سبقه تقديم تظلم إداري يتعين أن يصحب طلب الإلغاء أيضا بنسخة من القرار الصادر برفض التظلم أو بنسخة من وثيقة تشهد بإيداع التظلم إن كان رفضه ضمنيا "
(13):حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالدار البيضاء في الملف رقم 107/2004/غ بتاريخ 06/04/2005 غير منشور ( للاطلاع على مقتضيات الحكم المرجو زيارة الرابط التالي : من هنا
(14): قرار رقم 4707 صادر في الملف المدني عدد 1760/1990 بتاريخ 26-09-1995 مذكور بالعدد الخاص الصادر عن المجلس الأعلى بمناسبة افتتاح السنة القضائية لسنة2001 ؛ ص 37.
(15):وهذا الاتجاه سار عليه المجلس الأعلى في مجموعة من القرارات منها القرار المشار إليه في الهامش رقم 6 من هذا المقال.
| |
|