فوائد مكتب تسوية المنازعات الأسرية(4)
وبالرغم من هذه العيوب سالفة الذكر فإن نظام مكاتب تسوية المنازعات الأسرية في واقع الأمر له فوائد متعددة تكاد تقضي غلي كافة عيوبه السابقة ، ومن هذه الفوائد ما يلي:
أولا: الحد من المنازعات التي تعرض علي المحاكم ، فقد يتم الصلح بين الخصوم قبل رفع الدعوى أمام القضاء ، وفي هذا وذلك تخفيف للعبء الواقع علي القضاء ، الأمر الذي من شأنه توفير وقت وجهد القضاة والمتقاضين ، ذلك أن طبيعة بعض المنازعات الأسرية يمكن حلها بمجرد كلمه طيبة وبقليل من الود والتعقل وتغليب الحكمة ، وبطرق ودية فيما بين المتنازعين ولاسيما لو كانت صادرة من خبراء وأخصائيين وفقا لمنهج علمي يعتمد علي علوم الاجتماع والنفس وعملا بالأساليب العلمية التي تتماشى مع ظروف مجتمعنا وعاداته وتقاليده وقيمته وشريعته ، من أجل الوصول إلي تسوية وصلح يقبله الطرفان - الذي هو أساس وغاية نظام مكاتب تسوية المنازعات الأسرية- قبل ولوج طريق المحاكم المحفوف بالمخاطر ، وبالتالي لا نرى تلك المنازعات الأسرية في ساحات هذه المحاكم وجلساتها بما يوفر جهد و وقت القضاة والمتقاضين ذلك أن إنهاء النزاع بين الخصوم صلحاً فيه تخفيف كبير عنهم.
ثانيا: كما أن إجراءات التقاضي بطيئة قد تستغرق وقتاً طويلاً وتؤدي إلى عدم الفصل بالسرعة المناسبة لصالح الطرف المظلوم ، وهو ما لا يتفق مع الشريعة الإسلامية مما يستدعي أن تكون هناك مكاتب تسوية للمنازعات الأسرية تعمل على سرعة تسوية المنازعات العائلية سواء ما يتعلق منها بالعلاقة بين الزوجين المتنازعين أوالمطلقين أو علاقة الأطفال بأبيهم وأمهم ومنازعات الحضانة وغير ذلك من المنازعات الكثيرة التي تدور في المحاكم الآن ، فعرض المنازعات علي تلك المكاتب من أجل التوصل لتسويتها صلحا ، ربما تكون أكثر إنصافا لأن بطء التقاضي يضيع كثيرا من الحقوق كما يساعد على بذل الأموال الكثيرة من الطرفين وإهدار لجهودهم و وقتهم بسبب أن إجراءات التقاضي فيها كثير من التعقيد والمشقة كما أنها تستغرق وقتاً طويلاً وتكاليف باهظة .
ثالثا: أن من شأن نظام مكاتب تسوية المنازعات الأسرية أن يحافظ علي كيان الأسرة من التفكك والانهيار ، الأمر الذي يشيع معه السلام في المجتمع ، ذلك أنه قد لوحظ وبحق أن الدعاوى القضائية وإن كانت تنتهي قانونا بأحكام تصدر من القضاء يلتزم الخصوم بتنفيذها بالقوة وبالطرق الجبرية ، إلا أن النزاع في حقيقة الأمر لا ينتهي من الناحية الفعلية ، فمجرد صدور حكم قضائي بالطلاق مثلا ، لا يعني أن المسألة قد انتهت بهذه البساطة ، وذلك بسبب طبيعة علاقة الزواج والالتزامات والحقوق ، المفروضة وفقا لقوانين الأحوال الشخصية والتي تحتم الإبقاء على وجود اتصال ما بين المتنازعين لأداء تلك الالتزامات ولاسيما المالية منها والتي يتعيّن على الرجل الوفاء بها تجاه مطلقته وأولاده الصغار ، وفي ظل توتر الأعصاب الناتج عن اللجوء للمحاكم والنيابات وأقسام الشرطة وغيرهم وهشاشة العلاقة وذكريات الفشل ، تصبح الأجواء مهيأة للاشتعال في أي لحظة ، وبكل بساطة فإن الأمر يتعلق بمنازعات عائلية والخاسر فيها دوما هما الطرفان وما بينهما من صغار ، فلا رابح في مثل تلك القضايا حتى لو صدرت له مئات الأحكام القضائية ، فأحكام القضاء كثيرا ما تخلف وتترك أحقادا بين المتنازعين يحسن العمل علي تفاديها بالتوفيق بين الخصوم وإقرار الصلح الذي هو أساس وغاية نظام مكاتب تسوية المنازعات الأسرية بطرق ودية فيما بينهم ، إنما يسهم بحق في تحقيق السلام الاجتماعي وإشاعة الأمن ، ليس بين أفراد الأسرة فحسب بل والمجتمع ككل ، ذلك أنه يزيل أسباب الخصومة ، ويؤلف بين القلوب المتباعدة ، ويضع حداً لما تتركه الخصومات من أحقاد في النفوس ، وضغائن في الصدور وشقاق بين أفراد الأسرة الواحدة ، وهو ما حرص عليه المشرع في قانون محاكم الأسرة الجديد.
رابعا: بالإضافة إلي كل ذلك فإنه توجد حقيقة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار لا ينكرها أو يجحدها سوى أهل الجهل العادلين عن سنن الحق والإنصاف وهي أنه إذا كانت غاية نظام مكاتب تسوية المنازعات الأسرية التي يسعى إلي تحقيقها وإقرارها بكل السبل المشروعة هي الصلح والإصلاح بين المتنازعين ، وتسوية النزاع بينهم عن طريق عقد الصلح المحتمل إبرامه بمكاتب تسوية المنازعات الأسرية أدعى إلى الإنصاف وأدني إلي تحقيق العدالة ﴿ والصلح خير ﴾ . (5)
لكل هذه الأسباب وغيرها ، فإن مكاتب تسوية المنازعات الأسرية تعد وبحق أحد معالم الإصلاح القضائي والتطور الاجتماعي والتشريعي في مصر وتعتبر ضياء على جادة الاستقرار الأسري ، وانعكاس صادق لتطلعات البناء الاجتماعي المتين ، كما أنها وبحق تحقق لمصر الأولوية من بين الدول العربية في تأسيس كيان يعني بإصلاح ما فسد بين أفراد الأسرة الواحدة ، وإعادة الاستقرار للأسر التي يمكن تعاني من المشاكل الاجتماعية والنفسية وغيرهما والتي يمكن أن تؤدي بها إلى التفكير في آخر الحلول وهو الطلاق وما يترتب عليه من آثار ضارة وخطيرة بالفرد والأسرة والمجتمع. (6)
وعلي كل حال فإن العمل والتجربة العملية وحدهما كفيلين بإثبات وتأكيد صلاحية هذا النظام الوليد من عدمه.
ــــــــــــــــــــ
(1) أنظر الجريدة الرسمية بتاريخ 18 مارس سنة 2004 م العدد 12 السنة 47 .
(2) أنظر في هذا المعني، المستشار مؤمن عبد الطيف محمد عبد الله - إطلاله علي قانون الأسرة و قواعد الأحوال الشخصية - ص 3 ، و أيضا المستشار محمد الشهاوي - إطلاله علي أحكام قانون الطفل و قوانين الأحوال الشخصية المتعلقة به ومحاكم الأسرة – ورقتي عمل مقدمتين في الدورة التدريبية الأولي لإعداد الأخصائيين النفسيين المرشحين للعمل بمحاكم الأسرة- ص 10.
(3) ، (4) أنظر بالتفصيل كتابنا تسوية المنازعات الأسرية بالطرق الودية في قانون محاكم الأسرة الجديد - طبعة 2005 - ص 168 وما بعدها .
(5) سورة النساء ، الآية ( 128 )
(6) أنظر بالتفصيل كتابنا تسوية المنازعات الأسرية بالطرق الودية في قانون محاكم الأسرة الجديد - طبعة 2005 - ص 172 .
وللموضوع بقية إن شاء الله تعالي ...